المقدمة
قال الله تعالى:
﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ  النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ  إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ  وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ  وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: 4–8].
بداية القصة
يحكي النبي ﷺ في حديث صهيب الرومي – رواه مسلم – أن ملكًا من الملوك كان فيمن كان قبلكم، وكان لهذا الملك ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: "إني قد كبرت، فابعث إليّ غلامًا أعلّمه السحر".
فأرسل الملك غلامًا ذكيًا ليكون تلميذًا للساحر. وفي طريقه كان الغلام يمر على راهب مؤمن يعبد الله على دين الحق، فجلس معه وتعلّم منه الإيمان، فصار قلب الغلام متعلقًا بالله، وعقله يتعلّم من الراهب، وفي نفس الوقت يدرس السحر عند الساحر.
الإيمان يظهر
كبر الغلام، ووهبه الله آية: أن يبرئ الأكمه والأبرص ويشفي المرضى بإذن الله. فانتشر خبره بين الناس حتى سمع به أحد حاشية الملك وكان أعمى، فجاءه بهدايا كثيرة ليشفيه، فقال الغلام: "إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله، فإن آمنت بالله دعوتُه فشفاك". فآمن الرجل فشفاه الله.
الملك يواجه الدعوة
وصل الخبر إلى الملك، فغضب وأمر بإحضار الغلام، وعذّبه حتى دلّ على الراهب. فأُتي بالراهب، فقيل له: "ارجع عن دينك"، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقين، فمات شهيدًا.
ثم جاؤوا برجل الحاشية، فأبَى الرجوع عن دينه، ففعلوا به مثل الراهب.
وأُتي بالغلام، لكن الله أنجاه مرات عدة عندما حاولوا قتله: مرة ألقوه من جبل فسقط الجنود وهلكوا وبقي حيًا، ومرة أرسلوه في قارب ليغرقوه فغرقوا ونجا.
إيمان الناس
عاد الغلام إلى الملك وقال: "لن تقتلني حتى تفعل ما آمرك".
قال الملك: "وما هو؟"
قال: "تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، وتأخذ سهمًا من كنانتي، وتقول: بسم الله رب الغلام، ثم ترميني، فإن فعلت قتلتني".
فجمع الملك الناس، وفعل ما أمره به الغلام، فقال: "بسم الله رب الغلام"، فرماه فأصاب السهم صدغه فمات الغلام شهيدًا.
النهاية العظيمة
فلما رأى الناس ذلك قالوا جميعًا: "آمنا برب الغلام"، فاشتد غضب الملك، وأمر بحفر أخاديد عظيمة في الأرض، وأوقد فيها النيران، وألقى فيها كل من تمسك بدينه، حتى النساء، حتى إن امرأة جاءت ومعها رضيعها فترددت أن تلقي نفسها، فنطق الطفل وقال: "يا أمه اصبري فإنك على الحق".
العبرة
قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: 10].
إنها قصة الثبات على الدين، والصبر على الأذى في سبيل الله، وأن النصر الحقيقي هو أن تلقى الله ثابتًا على الحق ولو فقدت الدنيا كلها.