يُحكى أن أعرابيًا اسمه زيد، كان كثير الترحال في الصحراء، يعتمد على ذكائه وفطنته في مواجهة صعوبات الطريق.
وذات يومٍ قائظٍ شديد الحرارة، والشمس تلتهب في كبد السماء، شعر زيد بالعطش الشديد حتى جفّ حلقه، فراحت عيناه تبحثان عن ماء يروي ظمأه.
وبينما هو يسير في الصحراء، وقع بصره على بئرٍ قديم نصف مطموس بالرمال، فتهلّل وجهه فرحًا وأسرع إليه، لكن خيبة الأمل أسرعت إليه أيضًا؛ إذ وجد البئر بلا دلو ولا حبل!
نظر الأعرابي إلى ماء البئر اللامع في القاع البعيد، وقال في نفسه:
«ما نفع ماء لا يُنال؟!»
وفي هذه اللحظة مرّ مسافرٌ آخر على ناقته، وقد بدا عليه التعب الشديد، وكان معه قربة ماء صغيرة وحبل قديم يتدلى من جانب راحلته.
اقترب الأعرابي منه وقال برجاء:
– «يا أخي، غلبني العطش، أفلا تسقيني قليلاً من مائك؟»
نظر الرجل إلى قربته وقال بتردد وبخل:
– «عذراً، ما معي إلا ما يكفيني لطريقي».
سكت الأعرابي قليلًا، ثم وقعت عينه على الحبل المعلق براحلته، فقال للرجل:
– «أترضى أن تبيعني هذا الحبل؟»
تعجب الرجل من طلبه وقال ساخرًا:
– «تشتري حبلًا باليًا؟ خذه بدينار!»
مدّ الأعرابي يده بهدوء وأخرج دينارًا لامعًا، فأخذه الرجل مسرورًا في نفسه بما ظنّه مكسبًا غريبًا، ثم مضى الأعرابي ومعه الحبل.
ربط الأعرابي الحبل بدلو صغير كان يحمله في رحلته، وأنزله في البئر حتى استخرج الماء وشرب حتى ارتوى.
وبينما هو يشرب، اشتدّ العطش بالرجل صاحب الناقة الذي باعه الحبل، فجاءه وقال بخجل:
– «لقد جفّ حلقي… أسقني معك مما استخرجته».
نظر إليه زيد الأعرابي مبتسمًا وقال:
– «تفضل واشرب، الماء للجميع».
فسقاه الأعرابي من غير أن يطلب منه شيئًا، مع أنه منذ قليل باعه الحبل ورفض أن يسقيه من قربته.
ثم قال له الأعرابي:
– «اعلم يا أخي: قيمة الشيء ليست في ثمنه، بل في الحاجة إليه… والكرم لا يُشترى ولا يُباع».
فانصرف الرجل وهو يتمتم في نفسه:
«ما أغنى القلب الكريم… وما أفقر القلب البخيل!»
✨ العبرة:
أحيانًا نملك شيئًا بسيطًا فلا نقدّر قيمته، لكن العاقل يراه كنزًا وقت الحاجة.
والأكرم من ذلك: أن تُحسن لمن أساء إليك، فهذا هو الكرم الحق.